فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

{وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ} يعني: ليس لهم أن يقترحوا من أنفسهم، وإنما أرسلهم بتبليغ الرسالة مبشرين بالجنة لمن أطاعه، ومنذرين بالنار لمن عصاه.
{فَمَنْ ءامَنَ} يعني: صدق بالرسل {وَأَصْلَحَ} يعني: سلك طريقهم، وأصلح العمل.
ويقال: أخلص العمل بعد الإيمان {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} يعني: لا خوف عليهم من أهوال القيامة ولا هم يحزنون عند الصراط. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وما نرسل المرسلين} الآية، المعنى إنما نرسل الأنبياء المخصوصين بالرسالة ليبشروا بإنعامنا ورحمتنا لمن آمن وينذروا بعذابنا وعقابنا من كذب وكفر، ولسنا نرسلهم ليقترح عليهم الآيات ويتابعوا شذوذ كل متعسف متعمق، ثم وعد من سلك طريق البشارة فآمن وأصلح في امتثال الطاعات. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} أي بالترغيب والترهيب.
قال الحسن: مبشرين بسعة الرزق في الدنيا والثواب في الآخرة؛ يدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السماء والأرض} [الأعراف: 96].
ومعنى {منذرين} مخوفين عقاب الله؛ فالمعنى: إنما أرسلنا المرسلين لهذا لا لما يقترح عليهم من الآيات، وإنما يأتون من الآيات بما تظهر معه براهينهم وصدقهم.
وقوله: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} تقدّم القول فيه. اهـ.

.قال ابن كثير:

قوله: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} أي: مبشرين عباد الله المؤمنين بالخيرات ومنذرين من كفر بالله النقمات والعقوبات. ولهذا قال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ} أي: فمن آمن قلبه بما جاءوا به وأصلح عمله باتباعه إياهم، {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أي: بالنسبة إلى ما يستقبلونه {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعها، الله وليهم فيما خلفوه، وحافظهم فيما تركوه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمَا نُرْسِلُ المرسلين} كلام مستأنفٌ مَسوقٌ لبيان وظائفِ منْصِبِ الرسالة على الإطلاق وتحقيقِ ما في عُهدة الرسلِ عليهم السلام، وإظهارُ أن ما يقترحه الكفرةُ عليه عليه السلام ليس مما يتعلقُ بالرسالة أصلًا، وصيغةُ المضارع لبيانِ أن ذلك أمرٌ مستمرٌّ جرتْ عليه العادةُ الإلهية، وقوله تعالى: {إِلاَّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ} حالان مقدّرتان من المُرْسلين أي ما نرسِلُهم إلا مقدَّرًا تبشيرُهم وإنذارُهم ففيهما معنى العلةِ الغائيّة قطعًا أي ليبشروا قومَهم بالثواب على الطاعة وينذروهم بالعقاب على المعصية أي ليُخبروهم بالخبر السار والخبرِ الضارّ دنيويًا كان أو أُخرويًا من غير أن يكون لهم دخلٌ ما في وقوع المخبَر به أصلًا، وعليه يدور القصرُ والإلزام أن لا يكون بيان الشرائع والأحكام من وظائف الرسالة، والفاء في قوله تعالى: {فَمَنْ ءامَنَ وَأَصْلَحَ} لترتيب ما بعدها على ما قبلها و(من) موصوله والفاء في قوله تعالى: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لشَبَه الموصول بالشرط أي لا خوف عليهم من العذاب الذي أُنذِروه دنيويًا كان أو أخرويًا ولا هم يحزنون بفوات ما بُشِّروا به من الثواب العاجل والآجل. وتقديمُ نفْيِ الخوفِ على نفْيِ الحُزْن لمراعاة حقِّ المقام، وجمعُ الضمائر الثلاثة الراجعة إلى (من) باعتبار معناها، كما أن إفرادَ الضميرَيْن السابقين باعتبار لفظِهما، أي لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون، والمرادُ بيانُ دوامِ انتفائِهما لا بيانُ انتفاءِ دوامِهما كما يوهمه كونُ الخبر في الجملة الثانية مضارعًا لما تقرر في موضعه من أن النفيَ وإن دخل على نفس المضارع يُفيد الدوام والاستمرارَ بحسب المقام، ألا يُرى أن الجملةَ الاسمية تدل بمعونة المقام على استمرار الثبوت فإذا دخل عليها حرفُ النفي دلت على استمرار الانتفاءِ لا على انتفاء الاستمرار، كذلك المضارعُ الخالي عن حرف النفي يفيد استمرارَ الثبوت فإذا دخل عليه حرفُ النفي يفيد استمرارَ الانتفاء لا انتفاء الاستمرار ولا بُعْد في ذلك، فإن قولك: ما زيدًا ضربت مفيدٌ لاختصاص النفي لا نفي الاختصاص، كما بُيّن في محله. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ}.
كلام مبتدأ لبيان الغرض من إرسال الرسل، أي مبشرين لمن أطاعهم بما أعدّ الله له من الجزاء العظيم، ومنذرين لمن عصاهم بما له عند الله من العذاب الوبيل.
وقيل: مبشرين في الدنيا بسعة الرزق وفي الآخرة بالثواب، ومنذرين مخوّفين بالعقاب، وهما حالان مقدرّتان، أي ما نرسلهم إلا مقدّرين تبشيرهم وإنذارهم {فَمَنْ ءامَنَ وَأَصْلَحَ} أي آمن بما جاءت به الرسل {وَأَصْلَحَ} حال نفسه بفعل ما يدعونه إليه {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} بوجه من الوجوه {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} بحال من الأحوال، هذا حال من آمن وأصلح، وأما حال المكذبين فهو أنه يمسهم العذاب بسبب فسقهم، أي خروجهم عن التصديق والطاعة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا نُرْسِلُ المرسلين} إلى الأمم {إِلاَّ مُبَشّرِينَ} من أطاع منهم بالثواب {وَمُنذِرِينَ} من عصى منهم بالعذاب، واقتصر بعضهم على الجنة والنار لأنهما أعظم ما يبشر به وينذر به، والمتعاطفان منصوبان على أنهما حالان مقدرتان مفيدتان للتعليل.
وصيغة المضارع للإيذان بأن ذلك أمر مستمر جرت عليه العادة الإلهية، والآية مرتبطة بقوله سبحانه: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} [الأنعام: 37] أي ما نرسل المرسلين ألا لأجل أن يبشروا قومهم بالثواب على الطاعة وينذروهم بالعذاب على المعصية ولم نرسلهم ليقترح عليهم ويسخر بهم {فَمَنْ ءامَنَ} بما يجب الإيمان به {وَأَصْلَحَ} ما يجب إصلاحه والإتيان به على وفق الشريعة، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها و(من) موصولة ولشبه الموصول بالشرط دخلت الفاء في قوله سبحانه: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من العذاب الذي أنذر الرسل به {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لفوات الثواب الذي بشروا به، وقد تقدم الكلام في هذه الآية غير مرة، وجمع الضمائر الثلاثة الراجعة إلى (من) باعتبار معناها كما أن إفراد الضميرين السابقين باعتبار لفظها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} عطف على جملة {انظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون} [الأنعام: 46].
والمناسبة أنّ صدوفهم وإعراضهم كانوا يتعلّلون له بأنَّهم يَرُومون آيات على وفق مقترحهم وأنَّهم لا يقنعون بآيات الوحدانية، ألا ترى إلى قولهم: {لن نؤمن لك حتّى تفجِّر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90] إلى آخر ما حكي عنهم في تلك الآية، فأنبأهم الله بأنّ إرسال الرسل للتبليغ والتبشير والنذارة لا للتّلهّي بهم باقتراح الآيات.
وعُبِّر بـ {نُرسل} دون {أرسلنا} للدلالة على تجدّد الإرسال مقارنًا لهذين الحالين، أي ما أرسلنا وما نرسل، فقوله: {مُبشّرين ومنذرين} حالان مقدّرتان باعتبار المستقبل ومحقّقتان باعتبار الماضي.
والاستثناء من أحوال محذوفة، أي ما أرسلناهم إلاّ في حالة كونهم مبشّرين ومنذرين.
والقصرُ إضافي للردّ على من زعموا أنّه إنْ لم يأتهم بآية كما اقترحوا فليس برسول من عند الله، فهو قصر قلب، أي لم نرسل الرسول للإعجاب بإظهار خوارق العادات.
وكنّى بالتبشير والإنذار عن التبليغ لأنّ التبليغ يستلزم الأمرين وهما الترغيب والترهيب، فحصل بهذه الكناية إيجاز إذ استغنى بذكر اللازم عن الجمع بينه وبين الملزوم.
والفاء في قوله: {فمن آمن} للتفريع، أي فمن آمن من المرسل إليهم فلا خوف إلخ.
و{مَنْ} الأظهر أنَّها موصولة كما يرجّحه عطف {والذين كذّبوا} عليه.
ويجوز أن تكون شرطية لاسيما وهي في معنى التفصيل لقوله: {مبشِّرين ومنذرين}.
فإن كانت شرطية فاقتران {فلا خوف} بالفاء بيِّن، وإن جعلت موصولة فالفاء لمعاملة الموصول معاملة الشرط، والاستعمالات متقاربان.
ومعنى {أصْلح} فَعَلَ الصلاح، وهو الطاعة لله فيما أمر ونهى، لأنّ الله ما أراد بشرعه إلاّ إصلاح الناس كما حكَى عن شعيب {إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت} [هود: 88]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)} يعني ليس أمرنا لهم إلا بالتزام ما فيه نجاتهم، ثم بجميل الوعد لهم، ومفارقة ما فيه هلاكهم، ثم بأليم العقوبة في الآجل ما يحل من خلافهم.
فَمَنْ آمن وصدَّق أنجزنا له الوعد، ومَنْ كفر وجحد عارضنا عليه الأمر، وأدخلنا عليه الضُّر. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} أي أن الحق سبحانه لم يعط الرسل قدرته ليفعلوا ما شاءوا، ولكنهم فقط مبلّغون عن الله، فلا يطلبن منهم أحد آيات؛ لأنهم لا يستطيعون أن يأتوا بالآيات، وكل رسول يعلم أنه من البشر، وهو يستقبل عن الله فقط، ولذلك فلنأخذ الرسل على أنهم مبشرون ومنذرون {وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}.
ونعرف أن البشارة هي الإخبار بما يسر قبل أن يقع. والسبب في البشارة هو تهيئة السامع لها ليبادر إلى ما يجعل البشارة واقعًا بأن يمتثل إلى المنهج القادم من الإله الخالق. ونعرف أن الإنذار هو الإخبار بما يسوء قبل أن يقع ليحترز السامع أن يقع في المحاذير التي حرمها الله.
والبشارة- كما نعلم- تلهب في الراغب في الفعل والمحب له أن يفعل العمل الطيب، والإنذار يحذر ويخوف من يرغب في العمل الشيء ليزدجر ويرتدع. إذن فمهمة الرسل هي البشارة والإنذار، فلا تخرجوا بهم أيها الناس إلى مرتبة أخرى أو منزلة ليست لهم فتطلبوا منهم آيات أو أشياء؛ لأن الآيات والأشياء كلها من تصريف الحق تبارك وتعالى، ومن سوء الأدب أن نُخطّئ الله في الآيات التي أرسلها مع الرسل ونطلب آيات أخرى. إنكم بهذا تستدركون على الله.
ويبيّن الحق لنا حدود مهمة الرسل فيقول: {وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [الأنعام: 48].
هذا هو عمل الرسل، فماذا عن عمل الذين يستمعون للرسل؟ إن الحق يقول: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأنعام: 48].
فالمطلوب- إذن- من الذين يستمعون إلى الرسل أن يقبلوا على اختيار الإيمان، وأن يستمعوا إلى جوهر المنهج وأن يطبقوه. فمن آمن منهم وأصلح فلا خوف عليه لأنه قد ضمن الفوز العظيم، ولا يصيبه أو يناله حزن، لأن ناتج عمله كله يلقاه في كتابه يوم القيامة. والإيمان هو اطمئنان القلب إلى قضية عقدية لا تطفو إلى الذهن لتناقش من جديد. ولذلك نسمي الإيمان عقيدة، أي شيئًا انعقد عقدًا لا ينحل أبدًا.
إنّ على المؤمن بربه أن يستحضر الأدلة والآيات التي تجعل إيمانه بربه إيمانًا قويًا معقودًا؛ وهذا عمل القلب. ويعرف المؤمن أن عمل القلب لا يكفي كتعبير عن الإيمان؛ لأن الكائن الحي ليس قلبًا فقط، ولكنه قلب وجوارح وأجهزة متعددة، وكل الكائن الحي المؤمن يجب أن ينقاد إلى منهج ربه، فلابد من التعبير عن الإيمان بأن يصلح الإنسان كل عمل فيؤديه بجوارحه أداء صحيحا سليما.
إنني أقول ذلك حتى يسمع الذي يقول: إن قلبي مؤمن وسليم. لا، فليست المسألة في الإيمان هكذا، صحيح أنك آمنت بقلبك ولكن لماذا عطلت كل جوارحك عن أداء مطلوب الإيمان؟ لماذا لا تعطي عقلك فرصة ليتدبر ويفكر ويخطط ويتذكر، لماذا لا تعطي العين فرصة لتعتبر وتستفيد من معطيات ما ترى؟ وكذلك اليد، واللسان، والأذن، والقدم، وكل الجوارح.
والإصلاح هو عمل الجوارح، فيفكر الإنسان بعقله في الفكرة التي تنفع الناس، ويسمع القول فيتبع أحسنه، ويصلح بيديه كل ما يقوم به من أعمال. ويعلم المؤمن أنه حين أقبل على الكون وجده محكمًا غاية الإحكام، ويرى الإنسان الأشياء التي لا دخل له فيها في هذا الكون وهي على أعلى درجات الصلاحية الراقية، فالمطر ينزل في مواسمه، والرياح تهب في مواسمها ومساراتها، وحركة الشمس تنتظم مع حركة الأرض، وكل عمل في النواميس العليا هو على الصلاح المطلق.
إن الفساد يأتي مما للإنسان دخل فيه، فالهواء يفسد من بناء المنازل المتقاربة، وعدم وجود مساحات من الخضرة الكافية، ويفسد الهواء أيضًا بالآلات التي تعمل ولها من السموم ما تخرجه وتدفعه من أثر عملية احتراق الوقود. وعندما صنع الإنسان الآلات نظر إلى هواه في الراحة، وغابت عنه أشياء كان يجب أن يحتاط لها، ومثال ذلك: عادم السيارات الذي يزيد من تلوث البيئة، ورغم اكتشاف بعض من الوسائل التي يمكن أن تمنع هذا التلوث. إلا أن البعض يتراخى في الأخذ بها.
ونحن حين نأخذ بقمة الحضارة ونركب السيارات فلماذا ننسى القاعدة التي تقوم عليها الحضارة وهي الدراسة العلمية الدقيقة لنصنع الآلات ونأخذ من الآلات ما يفيد الناس، فنعمل على الأخذ بأسباب تنقية البيئة من التلوث ونمنع الأذى عن حياة الناس. فالعادم الذي من صناعتنا- مثل عادم السيارات والآلات- يفسد علينا الهواء فتفسد الرئة في الإنسان.
إن علينا أن نعرف أن من مسئولية الإيمان أن ننظر إلى الشيء الذي نصنعه وكمية الضر الناتجة عنه، وكل إنسان يحيا في مدينة مزدحمة إنما يضار بآثار عادم السيارات على الرغم من أنه ليس في مقدور كل إنسان أن يشتري سيارة ليركبها، فكيف يرتضي راكب السيارة لنفسه ألا يصلح من تلك الآلة التي تسهل له حياته ويصيب بعادمها الضر لنفسه ولغيره من الناس؟ لذلك فعلى المسلم ألا يأخذ الحضارة من مظهرها وشكلها بل على المجتمع المسلم أن يعمل على الأخذ بأسباب الحضارة من قواعدها الأصلية، وأن يدرس كيفية تجنب الأضرار حتى لا نقع في دائرة الأخسرين أعمالًا، هؤلاء الذين قال فيهم الحق سبحانه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالًا الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103- 104].